الاثنين، 2 مارس 2009

جزءاً كبيراً من الضعف الذي تعاني منه أمتنا اليوم في المجالات الإدارية والاقتصادية والتجارية أساسه ضعف القيادة في المنظمات مفهوماً وتطبيقاً، إضافة إلى ندرة وجود القادة، بالرغم من كثرة المديرين والمسؤولين ونستطيع أن نفصل أربع أزمات قيادية هي
1- أزمة تخلف إننا نعيش أزمة تخلف مريرة في كل مجال فما عدنا نقود الأمم، ولا يوجد لدينا مقومات لقيادة الأمم فرغم وجود المنهج المتمثل بالقرآن والسنة إلا أنه ليس هناك من يطبقه لعدم وجود من يفهمه الفهم الصحيح المتسع الأفق وصدق فينا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ يقول أبو الدرداء رضي الله عنه كان رسول الله عليه الصلاة والسلام جالساً بين أصحابه، فشخص ببصره إلى السماء ثم قال هذا أوان يُختلس العلم من الناس، حتى لا يقدرون منه على شيء فقال زياد بن لبيد يا رسول الله، كيف يُختلس منا وقد قرأنا القرآن؟ فوالله لَنقرأنَّه ولنُقرِأنَّه أبناءنا ونساءنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثكلتك أمك يا زياد، إنْ كنتُ لأعدُّك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوارة والإنجيل عند اليهود والنصارى، فماذا تغني عنهم؟ رواه الترمذي لقد افتقدنا النماذج والقدوات القيادية الحية التي تستطيع أن تقود وتطبق فيقتدي الناس بها ويتفاعلوا معها كي تتطور المنظمات ويعلو شأن الأمة 2- أزمة فاعلية فنحن أمة غير فاعلة، وما أصبحنا هكذا إلا بعد أن أصبحنا أفراداً غير فاعلين في مجالاتنا لكن هناك حقيقة مهمة يجب ألا نغفل عنها، وهي أن هذه الأمة خلقت لتبقى، وما خلقت لتؤدي دوراً وتنتهي مثل الأمم الأخرى إذاً نحن بحاجة إلى تفعيل الدور القيادي للأشخاص في مجتمعنا، وبناء شخصيات قيادية قادرة على التنافس مع الغرب والتفوق عليه في إدارة الشركات والإبداع والإبتكار والتجديد كي نمتلك قوتنا الاقتصادية ونفعلها لخدمة مصالحنا كأمة
كما أنه لدينا قصوراً في فن التعامل أو فن التأثير على الناس، حتى على المستوى والمحيط الصغير، كتأثير الوالد في ولده أو المعلم في تلميذه أو المدير في موظفيه فإن كنا نعجز عن ذلك فكيف سنؤثر في المجتمع الأكبر وفي العالم؟
3- أزمة استشعار أي استشعار ثقل القيادة ومسؤوليتها، فالقيادة غُرم لا غنم وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول واصفاً حاله منذ أصبح خليفةً فو الله ما أستطيع أن أصلي وما أستطيع أن أرقد، وإني لأفتح السورة فما أدري في أولها أنا أو في آخرها من همّي بالناس منذ جاءني هذا الخبر تاريخ عمر لابن الجوزي ولم يفارق هذا الهم عمر رضي الله عنه حتى وفاته يقول سعيد بن المسيب إن عمر رضوان الله عليه جمع كومة من بطحاء تراب وألقى عليها طرف ثوبه ثم استلقى عليها ورفع يديه إلى السماء وقال اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط
فنحن حين فقدنا الاستشعار بالمسؤولية وأمانتها جاء حب الدنيا والمناصب والزعامات والتطاحن من أجلها، وعندها عطلت الطاقات وتقدم غير ذي الكفاءة على الكفؤ، وخسرنا الدنيا والآخرة
4- أزمة ضعف أداء القائد وهي من الأزمات التي تمر بها المنظمات والمؤسسات بشكل عام وأعراض هذه الأزمة وآثارها منعكسة على كل المستويات وهي مشكلة ضعف نفسي داخلي، أي ضعف معرفتنا بأنفسنا ومعرفة هويتنا ومعرفتنا بربنا سبحانه وتعالى
د طارق محمد السويدان
القيادة فطرة أم اكتساب؟

حوار طويل على مدى التاريخ يدور حول هذا السؤال، ولكل فيه رأي وجدل، والاختلاف فيه بين القدماء وكذلك المحدثين، فها هو الأستاذ القدير "د بينيز المتخصص في موضوع القيادة يقول إن القيادة شخصية وحكمة وهذان أمران لا يمكن اكتسابهما، بينما يقول أستاذ العلماء الغربيين وشيخهم الذي قارب التسعين "بيتر دركر القيادة يمكن تعلمها ويجب تعلمها فهل للإسلام رأي في هذا الأمر الذي لم يستطع أكبر علماء الإدارة المعاصرين الاتفاق عليه؟ دعني في هذه العجالة أساهم برأيي وفهمي لما يقوله الإسلام في هذا الأمر الهام كمحاولة لبناء نظرية إسلامية في الإدارة لبنة لبنة لو تأملنا في القيادة سنجد أنها تتلخص في ثلاث أمور علم ومهارات وسلوك، والعلم المكتسب وكذلك المهارات، فهل السلوك مكتسب؟ لعل هذه النقطة هي سبب اختلاف العلماء، فبعضهم يرى أن الجانب الإنساني والقدرة على التأثير في الناس لا يمكن اكتسابها بل هي هبة إلهية لا دخل للجهد الإنساني في تنميتها أو صقلها، بينما يصرّ الآخرون أن الموهبة لا شأن لها في القيادة تأملت هل في الإسلام إجابة على قضية اكتساب السلوك؟ فوجدت أن النبي صلى الله عليه وسلم يحدث الأحنف بن قيس رضي الله عنه والذي ساد بني قيس بحلمه وعدم انفعاله فقال له إن فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة، أي عدم الغضب وعدم الاستعجال، فقال الأحنف رضي الله تعالى عنه أهما خصلتان تخلّقت بهما؟ أو هما خصلتان جبلني الله عليهما؟ أي فطرية أم مكتسبة؟ وهذا هو عين سؤالنا، فقال صلى الله عليه وسلم "بل هما خصلتان جبلك الله عليهما إذاً القيادة فطرية في حق الأحنف، وكذلك هي عند عمرو بن العاص رضي الله عنه الذي يقول عنه عمر رضي الله عنه لا ينبغي لعمرو أن يسير على الأرض إلا أميراً إذاً هناك من هو قائد بالفطرة بينما يوضح الحديث الآخر "إنما العلم بالتعلّم وإنما الحلم بالتّحلم، أن هناك إمكانية لاكتساب السلوك كما يكتسب العلم فبينما يشير حديث النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه إنك امرؤ ضعيف لا تولين على اثنين، أنه لا يستطيع حتى اكتساب القيادة رغم فضله ومكانته في الإسلام وعلو شأنه فيه والخلاصة عندي أن هناك فئة قليلة (أقدرها بحوالي 2%) تكون القيادة عندها فطرية، وفئة أخرى لا تصلح للقيادة ولا تستطيع اكتسابها (وأقدرها كذلك بحوالي 2%)، وأما معظم الناس فيستطيعون اكتساب القيادة بنسب مختلفة ولكنهم لن يستطيعوا مهما اكتسبوها أن يكونوا كمن حصل عليها بالفطرةولعل هذا بداية حوار حول اختلافات العلماء في موضوع القيادة والإدارة ونظرة الإسلام إليها، ونسأل الله تعالى التوفيق والسداد للحق
د طارق السويدان