الأربعاء، 14 يناير 2009

هل انت متوازن

يسعى الإنسان لإشباع حاجاته العديدة ويحارب من أجل الوفاء بها.لذا يختلف مفهومنا للسعادة والرضا حسب قدرتنا على إشباع ما نسعى إليه فالسعادة أحيانا تكمن في القناعة. وأحيانا أخرى تكمن في السعي المحموم وراء الشهرة والمال..وسيظل الإنسان ما بقى حيا يسعى بلا توقف إلى نقطة إشباع ورضا عما حققه من ثروة وشهرة وجاه. وستبقى قضية تحفيزه محط أنظار العلماء والمفكرين بمختلف تخصصاتهم واهتماماتهم.. ومهما حقق الإنسان من أحلام وإنجازات.. فإنه سيظل يسعى للأفضل (من وجهة نظره).. أو حسب المعيار الذي يقيس به فالتوازن لدى الموظف البيروقراطي معناه الالتزام بالنص والتعليمات وعدم المخاطرة أو الخروج عن المألوف، في حين أن التوازن بالنسبة لرجل الأعمال أو المشتغلين في البورصة معناه تحمل المخاطرة والمضاربة واستثمار الاستقرار حينا وعدم الاستقرار حينا آخر، والاستقرار والتوازن لدى المدير الفعال معناه تعلم مستمر واستفادة دائمة من أخطائه وأخطاء الآخرين وإتاحة الفرصة للجميع للنمو.وهكذا فالتوازن والرضا يختلف شكلا وموضوعا بالنسبة لنا جميعا، بل أن البعض منا من يعشق التغيير المستمر ويمل الاستقرار والتوازن حتى أصبحت حياته وتصرفاته بمثابة أحداث سريعة متلاحقة في المنزل والعمل والحياة بأسرها. إن البحث عن نقطة التوازن هذه لا يستأثر بها الإنسان فحسب بل هي أيضا لكافة الكائنات الحية التي لدى كل منها نقطة توازن (رضا) تحققها عند النوم، الطعام، التزاوج، الهجرة، البيات الشتوي، أو حتى عند الوفاة – كما يفعل الأفيال عندما تتدفق إلى مقابرها عندما تشعر بقرب انتهاء أجلها.إن من سوء حظ المرء أن يفقد توازنه أو أن يجهل معرفته فلا يعرف ما الذي يرضيه..هل يرغب في ذرية كبيرة صالحة وهو يخشى في النهاية عقوق الأبناء..؟ هل يرغب في ثروة بلا نهاية وهو يخشى في الوقت نفسه حسد الآخرين؟ هل يرغب في منصب رئاسي متقدم ويرغب في الوقت نفسه في البقاء بمحل إقامته دون سفر أو ترحال أو مشقة؟ إن فقد المرء لتوازنه يزيد من حدة القلق لديه ويجعله دائم البحث عن صيد ثمين لا وجود له فالكنز بالنسبة له ليس مفقودا ولكنه غير موجود.إن نقطة التوازن ليست مفهوما فرديا فحسب وإنما هي في الأساس مفهوم جماعي واجتماعي، مفهوم ينطبق على مجريات الحياة بأسرها من القيادة العليا إلى القائمين بتنفيذ الأعمال ومن كبار رجال الأعمال إلى العاملين الجدد. ونقطة التوازن أيضا ليست بالضرورة إيجابية ولكنها قد تكون أيضا سلبية، تماما كمريض السكر الذي يتوازن انفعاليا بتناول الحلوى (الممنوعة) فيسعد بها مؤقتا رغم خطرها عليه، إلا أن إحساسه بالتوازن المؤقت قد ينسيه الخطر الدائم ولعل المثل الغريزي الشائع للتوازن السلبي هو زواج العناكب، أو العقارب حيث يتوازن ذكر العقرب أو العنكبوت لحظيا عند التزاوج ولكنه يدفع حياته ثمنا لذلك، ورغم ذلك فالحياة تستمر، وعلى هذا فللمجتمع نقاط توازن سلبية وإيجابية، وللأفراد كذلك نقاط توازن مماثلة.لقد توازن المجتمع المصري عند نقاط توازن سلبية عديدة…أهمهما: توازن نتائج الشهادات العامة عند الدروس الخصوصية حتى أصبحت هي الأساس رغم كل التصريحات الأنيقة بعكس ذلك، توازن انضباط حركة المرور عند سيارات السرفيس التي فشلت كل الجهود في حلها، توازن بيع السلع والبضائع عند سياسة (حرق الأسعار) فصارت هي المحرك للسوق وللأسعار، توازن الخروج المبكر على المعاش عند مكافأة نهاية الخدمة دون التفكير في استثمار هذه الخبرات، توازن اللقاءات والندوات الخاصة بإبداء الرأي ومناقشة القضايا الجماهيرية العامة عند مجموعة ثابتة ومكررة من الضيوف أو عند تبادل الصياح والخلاف.توازن بعض المشاريع العامة عند نقطة نقضها ونقدها وإعادة النظر فيها ولعل آخرها موضوع شركة المعمورة ومن قبلها احتفالات مصر بالقرن الجديد وغيرها الكثير من المشروعات القومية التي ما زالت محل نقد بناء أو غير بناء وجميعها تدل على أننا ما زلنا ندير بالتجربة والخطأ والاجتهاد، هل تواةزن مجتمعنا الآن عند نقطة التعليم الخاص، والمدير الخاص أيضا والحارس الخاص أو القرية السياحية الخاصة، والزفاف الخاص، والمعاهد الخاصة وهل تمت خصخصة القيم والسلوك دون قصد أو وعي للمعنى السلبي لمفهوم الصفوة المستفز في انعكاساته على الآخرين.هل توازن الكتاب والنقاد في فترة الصيف وفي بعض برامج ومهرجانات التليفزيون عن قرية مارينا السياحية فصاروا يكتبون عنها ويشيرون إليها من قريب أو بعيد بأنهم من روادها ويصرون على أضافتها في جملة مفيدة أو غير مفيدة، فقط لكي يؤكدوا لنا بأنهم مختلفون حتى في مشاكلهم، نقاط توازن سلبية عديدة يصعب حصرها في مجمعنا ونحتاج إلى تعديلها أو علاجها، واستبدالها بنقاط توازن إيجابية جديدة حتى لا يتوازن مجتمع رجال الأعمال عند الهروب ولا يستقر سوق الأعمال عند الركود ولا تبقى الواسطة هي نقطة ارتكاز من يسعى للانطلاق والبروز، فكيف تتوازن نتائج الطلاب بالدراسة الجامعية عند لجان الرأفة والدرجات المجانية الممنوحة بهدف رفع مستوى النتائج، كيف يتوازن التعليم الجامعي بين تعليم باللغة العربية وتعليم باللغة الأجنبية والفارق المنهجي والمادي بينما كبير في حين أن الفارق في الدرجات المؤهلة للالتحاق ليس كذلك.نحتاج إلى جهد هائل لتعديل نقاط ارتكاز المجتمع وهو بصدد الانطلاق لعالم المشاركة الأوروبية، عالمية المعلومات، والإنسان الفضائي، نحتاج إلى إعادة نظر في نقطة توازننا وفي مراكز تحقيق الرضا والإشباع لدى كل منا حتى لا يتوازن الفرد والمجتمع عند سرد المشاكل أو الإحساس باليأس والاكتئاب الجماعي وعدم الاستمتاع بالإنجاز والتقدير.نريد توازنا إيجابيا يجعل الاستعداد للتعلم أهم من الاستعداد للدراسة..ويجعل من المعلم المدرب المخلص أداة رفع للمعاناة عن الأسرة المصرية، لا من تخفيض أسعار الأدوات المدرسية ببضع جنيهات هدفا قوميا، وتجعل من مئات الآلاف من مستحقي المعاش يتلقون معاشاتهم بمنازلهم دون كد وعناء بسبب الروتين والبيروقراطية تكريما لهم عما قدموه أو تعويضا لهم عما فقدوه أو تخفيفا عنهم لما ألم بهم.نحتاج لمساهمات أرقى وأعم وأوسع لمؤسساتنا الاجتماعية والتربوية، وأن نعيد النظر في الحلقات الوسيطة بين الاقتراحات والحلو الإبداعية وبين التطبيق والواقع العلمي. وأن نتعامل مع المبدعين بعقلية المستثمرين لا بعقلية الحاقدين البيروقراطيين. المجتمع المصري يحتاج لنقطة توازن إيجابية جديدة تعيد له ولشابه المبدع ولرجال أعماله ولمديريه ولطلابه الثقة في الممكن والرضا بالإنجازات المحققة والإحساس بالعدالة والمنطق فهل آن الأوان؟..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق